الفلسفة اليونانيةغير مصنف

النماذج التفسيرية للفلسفة اليونانية

المقدمة: نماذج خمسة ونموذج سادس مقترح:
يهدف هذا البحثُ إلى أنْ تعيَ الذاتُ القوميةُ بنفسها وعيًا نقديًا للماضي؛ وذلك حتى يمكن فهمُ الحاضر والتمهيدُ لإنتاج المستقبل؛ وذلك بالعودة إلى التاريخ الفكري والحضاري- سواء تاريخنا القومي أم التاريخ الإنساني العام، لنستمدَ منه طاقةً رُوحيةً لصنع المستقبل؛ فجديرٌ بمن أسهم في إنجاز حضارة إنسانية راقية أنْ يستكملَ ما بدأه منذ أكثر من ثلاثين قرنًا أو زيادة.
يحاول البحث أن يجيب عن تساؤلٍ رئيسٍ هو: هل أسهمتِ الحضارةُ المصريةُ في الفلسفة اليونانية، أم أنها لمْ تعرفْ سوى الفكر الأسطوري الديني، ومن ثم ليس لديها فلسفة بالمعني الذي عرفته الحضارةُ اليونانيةُ القديمة؟
خمسة نماذج:
يمكن أنْ نحددَ خمسةَ نماذجَ (Models) تفسيريةٍ، حاولتِ الإجابةَ عن هذا التساؤل الرئيس؛ وهي:
1- نموذج “المعجزة اليونانية”:
يرى أصحاب هذا النموذج أن الفلسفة اليونانية هى معجزة، نشأت في القرن السادس قبل الميلاد، على غير مثال سابق (هو ما أطلق عليه “مارتن برنال”، في كتابه “أثينة السوداء”، “النموذج الآري المتطرف”). من أبرز ممثليه جون بيرنت وزيلر وجمبرتز.
2- نموذج “المعجزة المصرية”:
الذي يذهب أصحابه إلى أن الفلسفة “معجزة مصرية”، وأن اليونانيين ليسوا سوى “سُرَّاق للفلسفة المصرية!”.
أبرز ممثل لهذا النموذج “جورج جيمس” صاحب كتاب “التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة”.
3- “النموذج الانتشاري”:
نجد هذا النموذج لدى علماء الأنثروبولوجيا.
ومن أبرز مؤيدي النظرية الانتشارية المصرية “إليوت سميث”، و”وليام بري”، و”ريفرز”. يؤيدون نظرية أنَّ الحضارة نشأت في بقعةٍ ما، ثم انتشرت حول العالم. و أنّ هذه البقعة التي انتشرت منها الحضارة هى مصر. تبنى هذا النموذج حسن طلب في كتابه: “أصل الفلسفة: حول نشأة الفلسفة في مصر القديمة وتهافت نظرية المعجزة اليونانية”.
4- ” النموذج الحضاري القديم”:
أقصد به أقوال المؤرخين والفلاسفة القدماء الذين يؤيدون التأثير المصري على الحضارة والفلسفة اليونانية. كذلك من حاول إثبات صحة هذه الأقوال من الباحثين المعاصرين الذين أيدوا نظرية “البداية الشرقية”، وأقروا بوجود أثر للحضارة المصرية على الحضارة اليونانية.
ويأتى على رأس هؤلاء “هيرودوت” و”أفلاطون” قديمًا. وباحثون كثر حديثًا، لعل من أهمهم “ول ديورانت”،”جورج سارتون”، “توملين”، “فرانكفورت”، “مهرداد مهرين”، “محمد غلاب”، “حسام الدين الألوسي”، “مهدي فضل الله”، و”مصطفى النشار”.
5- النموذج القديم المعدل”:
هو النموذج الذي تبناه “مارتن برنال” في عمله الضخم “أثينة السوداء: الجذور الأفروآسيوية للحضارة الكلاسيكية”. يشمل التعديل الذي قدمه “برنال” على النموذج الحضاري القديم كلَ ما قدمه في كتابه المشهور من أدلة أثرية وتاريخية وفيلولوجية.
نموذجي المقترح: نموذج الإسهام الحضاري:
هو النموذج الذي يقترحه البحث لتفسير نشأة الفلسفة اليونانية. ويقوم على دعامتين أساسيتين: الأولى: النصوص المقارنة، والثانية: “النموذج القديم المعدل”.
سوف يعتمد هذا البحث على ترجمات النصوص الأصلية، مثل: “متون الأهرام” و”نصوص التوابيت” و”كتاب الموتى”، و”نصوص الأدب المصري القديم”، و نصوص الشرق الأدنى القديمة (التي ترجمها جيمس بريتشارد) ونصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة (التي ترجمتها كلير لالويت). وتلك الترجمات وردت فى كثير من المراجع والكتب واُعتُمٍدَ عليها فى موضوعات مختلفة.
على هذا الأساس ينقسم البحث إلى جزأين:
الأول: المنطلقات النظرية: “نموذج الإسهام الحضاري”. أي بنية النموذج الذي يقترحه البحث؛ وهو يقوم على ستة عناصر رئيسة.
الثاني: الإسهام الحضاري: “التأييد النصي”. ويمثل الجزء العملي، والتحقيق الفعلي للنموذج المقترح، وفي الوقت نفسه يمثل اختباراً لمنطلقاته النظرية.
وينطلق البحث نظرياً من نظرية الإسهام الحضاري التي تحاول معرفة مدى الإسهام الحضاري لمصر القديمة في الفلسفة اليونانية من خلال مقارنة نصوص الفكر المصري القديم بنصوص الفلاسفة اليونانيين، وتحليلها ثم الخروج بالنتيجة، وسيكون ذلك بوضع هذه النصوص في عامودين: العامود الأيمن يحوي النصوص المصرية القديمة، والعامود الأيسر يضم النصوص اليونانية المقارنة. وفي النهاية أعرض لنتائج البحث العامة والكلية، ثم قائمة بالمصادر والمراجع.
أولاً: المنطلقات النظرية لنموذج الإسهام الحضاري:
أقصد بنموذج الإسهام الحضاري هنا: “هو ذلك التصميم المصغر والمبسط لتلك الحقيقة المعقدة؛ حقيقة نشأة الفلسفة اليونانية”، ويتحدد في العناصر الستة الآتية:
1- لغة الدين/ الأسطورة، ولغة الفلسفة/ التجريد.
2- اللاهوت والميتافيزيقا والفلسفة.
3- مصرية الأصل الاشتقاقي لكلمة فلسفة .
4- زمان ومكان نشأة الفلسفة اليونانية.
5- الاتصال بين مصر واليونان.
6- تيار الحكمة يبدأ من النيل.
ويأتي توضيح مناسب لهذه المنطلقات النظرية، المشكلة لبنية نموذج الإسهام الحضاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى