الفلسفة الإسلامية

مصير العلوم العقلية في الغرب الإسلامي بعد ابن رشد

الصادقي، محمد

ملخص

بعد النقد العنيف الذي وجهه الغزالي للفلاسفة، حصل تعديل في المسار العام للفلسفة في المشرق الإسلامي، وغَلَبَ نوع من التأليف الذي يمزج بين الكلام والفلسفة؛ أما في الغرب الإسلامي، فقد ازدهر القول الفلسفي بعد التهافت، لكن بعد موت ابن رشد، لن نشهد فلاسفة موسوعيين كبار، رغم استمرار التعاطي للعلوم العقلية؛ هذا المعطى التاريخي دفع كثيرا من الباحثين المستشرقين والعرب إلى تبني دعوى موت الفلسفة عامة في الغرب الإسلامي، وفلسفة ابن رشد خاصة بمجرد موته، ثم تحميل المسؤولية للغزالي.

وإذا كان كثيرون لا يزالون يعيشون تحت ظل هذه الدعوى، فإن آخرين قد بدأوا في مراجعتها؛ وسنقف في هذا العمل على جهود أحدهم، ويتعلق الأمر بالدارس المغربي فؤاد بن أحمد،[1] الذي اختار الرد على هذه الدعوى من خلال الاشتغال على أحد تلامذة ابن رشد، أي ابن طُملوس. فقد وضع نصب عينيه هدفَ إعادة الاعتبار للعلوم العقلية في الغرب الإسلامي في مرحلة ما بعد موت ابن رشد، وجعل الخيط الناظم لجميع أعماله حول أبي الحجاج الدعوى التي تبناها ودافع عنها باستماتة، ومفادها أن ابن رشد قد خلَّف تلامذة واصلوا الاشتغال بالعلوم العقلية عامة وبفكر أبي الوليد خاصة، وأن العلوم الفلسفية عامة وفلسفة ابن رشد خاصة لم تمت بموته.

وسنعمل على إبراز أعماله التي خصصها لهذا الفيلسوف الرشدي، وخاصة كتابه ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب: سيرة بيبلوغرافية (620هـ/ 1223م)، ثم تقييم الدعوى التي حكمت أعماله والقاضية برُشدية ابن طُملوس ولا غزَّاليته.

 

[1] فؤاد بن أحمد، أستاذ الفلسفة ومناهج البحث بجامعة القرويين، مؤسسة دار الحديث الحسنية، الرباط. من بين أعماله: ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب (ت. 620هـ/1223م): سيرة بيبليوغرافية، وتحقيقه لكتاب المختصر في المنطق لابن طُملوس.

تقديم

قَبْلَ أبي حامد الغزالي (505هـ/1111م)، كان علم الكلام والفلسفة يسيران بما يشبه الخطين المتوازيين؛ فرغم الانتقادات التي كان يوجهها أحيانا أحدهما للآخر، ورغم بعض فتاوى التكفير التي أصدرها فقهاء ومحدثون في حق المنطق والفلسفة، إلا أن العلوم الفلسفية في المشرق الإسلامي شَقَّتْ طريقها في خط تصاعدي إلى أن وصلت درجة عالية من الكمال مع الفارابي (ت. 339هـ/950م) وابن سينا (ت. 427هـ/1037م)؛ غير أن النقد العنيف الذي وجَّهه الغزالي للفلاسفة، خصوصا في تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال، قد كان له أثر مغاير لكل تلك الفتاوى السابقة، وشكَّل منعطفا حاسما في العلاقة بين العِلْمين، وفي مصير الفلسفة خاصة. وإذا كان من المجازفة القول أن الفلسفة في المشرق الإسلامي بعد الغزالي توقفت تماما عن السير بشكل مستقل كما كانت من قبل، فإنه من المؤكد أنها لم تُنجب فلاسفة كبارا من أمثال ابن سينا والفارابي؛ لكن مصيرها كان مع ذلك محظوظا إذا علمنا أن التأليف في المسائل الفلسفية لم يتوقف بل ربما ازدهر، ولكن هذه المرة داخل بطون الكتب الكلامية، بعدما اختار المتكلمون اللاحقون على الغزالي، مثل فخر الدين الرازي (ت. 606هـ/1209م)، وسيف الدين الآمدي (ت. 631هـ/1233م)، وسعد الدين التفتازاني (ت. 793هـ/1390م)، وعضد الدين الإيجي (ت. 756هـ/1355م)، والشريف الجرجاني (ت. 816هـ/1413م)، وناصر الدين البيضاوي (ت. 685هـ/1286م)، خلطَ الكلام بالفلسفة، وإدماجَ الإلهيات والطبيعيات والمنطق داخل علم الكلام الذي تحول إلى كَلاَمٍ فلسفي نسقي.

أما في الغرب الإسلامي، فقد استمرت الفلسفة في الازدهار مع ابن باجة (ت. 523هـ/1138م) وابن طفيل (ت. 581هـ/1185م) وابن رشد (ت. 595هـ/1195م) حتى بعد فتوى الغزالي، لكن المفارقة أنه، وبعد الرد القوي الذي وجَّهه للغزاليِّ بغرض إثبات تهافت تهافته، حدث تقهقر للمسار التصاعدي للاشتغال الفلسفي، وذلك مباشرة بعد موت ابن رشد. ففي الوقت الذي كان فيه أبو الوليد يريد رَدَّ الاعتبار للفلسفة، بتخليصها مما لحق بها من ”اتهامات“ من قبل الغزالي ومن ”شوائب دخيلة“ من قبل ابن سينا، والعودة بها إلى أصولها الأولى كما كانت مع المعلم الأول أرسطو (ت. 322 ق.م) والمعلم الثاني الفارابي، اتجهت الفلسفة في الغرب الإسلامي نحو الانكماش، ولم تُنتج لا متكلمين موسوعيين ومنفتحين على الفلسفة بنفس الزَّخَمِ الذي حصل في المشرق، ولا فلاسفة موسوعيين مثل ابن باجة وابن طفيل وابن رشد.

هذا الوضع هو الذي حدا بمجموعة من الباحثين المعاصرين عربا ومستشرقين إلى الإعلان عن الموت النهائي للفلسفة في الغرب الإسلامي بعد ابن رشد؛ مع تحميل المسؤولية إما للغزالي وما أحدثته كتبه من أثر على فقهاء الأندلس الذين ألَّبوا السلطة الموحدية ضد ابن رشد، أو تحميلها لابن رشد نفسه بإصراره على عزل العلوم الفلسفية عن محيطها الثقافي وعن العلوم الشرعية، وامتناعه عن أن يتصور للفلسفة أية إمكانية للاستمرار غير تلك التي تنسجم والصيغة الأرسطية، أو بشكل عام للجمود الذي خَيَّمَ على العقل الإسلامي ومنعه من محاورة الفلسفة والتأليف فيها.

وهكذا نجد دارسين، رغم تباين مشاربهم، يتقاطعون في تَبنّي نفس الموقف الذي كان إرنست رينان  Ernest Renan(1823-1892م) من أوائل من عبّر عنه،[1] والتسليم بنهاية الفلسفة في الغرب الإسلامي بعد ابن رشد. فبعد أن يُحمل عبد المجيد الصغيَّر المسؤولية لابن رشد نفسه، مُنبِّها إلى أن ”اعتراف ابن رشد أن فلسفته ليست هي فلسفة أغلب المسلمين، وأنها فلسفة خاصة الخاصة، تلك أحد أسباب انقطاع فلسفة ابن رشد وعدم تعميرها طويلا في الغرب الإسلامي،“[2] يقرر أن ”الفلسفة استمرت في المشرق رغم هجوم الغزالي عليها، في حين شهد الغرب الإسلامي تراجعا نهائيا للفكر الفلسفي.“[3] أما محمد عابد الجابري، فيرى أن كتاب تهافت الفلاسفة لعب الدور الأكبر في صد الفكر العربي عن ابن رشد الذي لن يجد بيئة حاضنة لفكره بعد موته إلا أوروبا المسيحية: ”لم تقم للفلسفة العقلية، العقلانية، بعد الغزالي قائمة في ديار الإسلام. هذا واقع تاريخي. ولا يمكن تفسير الواقع التاريخي، الذي فَرَضَ نفسه، بدون وضع كتاب تهافت الفلاسفة على رأس قائمة العوامل والأسباب.“[4]

وإذا كانت مثل هذه الأحكام ما تزال تُرخي بظلالها اليوم على أوساط كثير من الباحثين في الفلسفة في الغرب الإسلامي، خصوصا مع ضعف الاهتمام بتحقيق المخطوطات التي تنتمي إلى هذه الفترة، فإن بعض الجهود بدأت تتجه نحو مراجعة تلك الصورة النمطية التي تشكلت عن مصير العلوم العقلية بعد ابن رشد، من خلال الدراسات الموضوعاتية والبيبليوغرافية التي أنجزتها والنصوص التراثية المحققة التي أخرجتها.

وفي هذا الإطار، صدرت للدارس المغربي فؤاد بن أحمد عدة أعمال تَهُمُّ مصير العلوم العقلية بعد ابن رشد في الغرب الإسلامي، أهمها تلك التي تتناول أحد التلاميذ المباشرين لابن رشد، ويتعلق الأمر بالطبيب والمنطقي الأندلسي أبي الحجاج ابن طُملوس (ت. 620هـ/1223م). فقد خَصَّصَ لابن طُملوس عدة مقالات، ونشرة محققة لاثنين من الأجزاء العشرة من كتابه المنطقي كتابٌ في المنطق،[5] ثم دراسة ببيليوغرافية ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب: سيرة بيبليوغرافية (ت. 620هـ/1223م)، وآخر إصداراته في هذا الشأن هي تحقيقه لكتاب المختصر في المنطق[6] لابن طُملوس. وبصدور هذا الكتاب الأخير، يكون الدارس قد حَقَّقَ تراكما معتبرا حول فكر ابن طُملوس، تراكماً يدعونا إلى مُساءلة دعواه، وما إن كان قد نجح حقا في تغيير الصورة النمطية التي انتشرت حول مصير العلوم الفلسفية بعد ابن رشد في الغرب الإسلامي.

وما يُعنينا، نحن، في هذا البحث، هو الدعوى التي تبناها بن أحمد وضَمَّنَهَا أعماله عن ابن طُملوس، خصوصا الكتاب الذي خصصه لسيرة هذا الفيلسوف، ويَدَّعِي من خلالها أن العلوم العقلية بعد ابن رشد لم تنته بموته، بل استمر الاشتغال بها تدريسا وتأليفا؛ بل يجازف بالقول إن استمرارها تم من خلال مجموعة من التلامذة الذين شكلوا استمراريةً للفكر الفلسفي عامة وللرشدية خاصة. وإذا كانت النماذج التي يشتغل عليها بن أحمد متعددة، فإننا سنعمل على مراجعة دعواه بالاقتصار على محاورة الأعمال التي أصدرها حول ابن طُملوس من دراسات بيبليوغرافية وموضوعاتية وتحقيق. فبأيّ معنى يعتبر ابن طُملوس، بالنسبة للمؤلف، دليلا على استمرار الرشدية خاصة، وعلى استمرار الاهتمام بالعلوم العقلية في الغرب الإسلامي بعد ابن رشد عامة؟ وما هي درجة الأصالة والاستقلالية التي يتمتع بها ابن طُملوس في علاقته بأستاذه؟ وإلى أي حد وُفِّقَ الدارس في تأكيد أصالة ابن طُملوس من جهة، ورشديته من جهة أخرى؟

  1. رشدية ابن طُملوس

لقد بلور فؤاد بن أحمد دعواه بخصوص رشدية ابن طُملوس منذ مدة غير يسيرة، من خلال الأعمال التي نشرها من قَبْلُ حول ابن طُملوس، ولذلك فإن الإضافة النوعية التي يجسدها كتابه ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب (ت. 620هـ/1223م): سيرة بيبليوغرافية[7] هي مُحاورة جميع الدراسات الجادة التي تناولت ابن طُملوس في اتجاه التأكيد، أولا، على رشدية أبي الحجاج؛ وثانيا، اتخاذ فكره دليلا على استمرار العلوم العقلية في الغرب الإسلامي وعدم موتها بموت ابن رشد كما ادعت ذلك كثير من الأصوات.[8]

ويأتي الكتاب بالنسبة للمؤلف ضمن سياقين: الأول عام، وبموجبه يعتبر هذا العمل تتويجا لسنوات غير قليلة من البحث في ابن طُملوس، ومن الاهتمام بما ينشر عنه دراسة وتحقيقا؛ والثاني خاص، ويتعلق بالبحث في فكر ابن رشد ومدرسته ومصير الرشدية بعد موت الشارح الأكبر، حيث سبق للمؤلف أن أصدر عدة دراسات عن أبي الوليد بين كتب ومقالات.[9] ويندرج الكتاب ضمن جنس السيرة البيبليوغرافية، ويأتي ليملأ فراغا تُعانيه الدراسات عن ابن طُملوس في هذا الباب؛ إذ تحتاج هذه الدراسات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لدستور مُوَجِّهٍ، يضع بين أيدي الباحثين المعطيات الضرورية بصدد فكر ابن طُملوس وأعماله وعصره.

والكتاب هو أيضا مناسبة للمؤلف لتصحيح الأحكام التي تشكلت عن هذا الفيلسوف، منذ الدراسات الأولى التي نشرت حوله وحكمت عليه بأنه مجرد امتداد للروح الغزالية في الغرب الإسلامي، وبأنه لم يجد من مجمل علوم ابن رشد الفلسفية ما يستحق الدفاع عنه والتأليف فيه غير المنطق. فهذه الدراسات لا تُنكِر تأليف ابن طُملوس المنطقي، لكنها لا تعتبره دليلا على استمرار الرشدية ولا على استمرار العلوم العقلية بعد ابن رشد، بل تعتبره، على العكس من ذلك، ترجمة للغزالية الداعية إلى فصل المنطق عن علوم الفلسفة وخاصة الميتافيزيقا، وإلحاقه بالعلوم الشرعية.

وعلى العكس من هذه القراءة، يذهب بن أحمد إلى أن ابن طُملوس هو واحد من بين عشرات من الأعلام الذين تتلمذوا على ابن رشد وواصلوا السير على نهجه، وأن تأليفه المنطقي والطبي واستلهامه لمقاطع كثيرة من ابن رشد دليل على استمرار العلوم العقلية بعد ابن رشد ومن داخل الرشدية ذاتها، أما التنويه الذي خصَّ به ابن طُملوس، في صَدْرِ كتابه المنطقي، الغزاليَّ دون ابن رشد، واعتمده كثيرون للتدليل على غزاليته، فيجب أن يفهم، حسب الدارس، في سياق الهدف العام لهذا الصَّدر من حيث إنه لم يُرِد له ابن طُملوس أن يكون جزءا من الصناعة المنطقية، داخلا فيها بالقصد الأول، بل مجرد خطاب حجاجي اقتضته ظروف عصره، ”وضع له صاحبه غرضاً ّ محدداً، هو إقناع مخاطبيه بأهميّة تأليف كتاب في المنطق.“[10] ومن ثم، فإن التنويه بالغزالي يأتي لمجرد استثمار سلطته الفقهية لحث الأندلسيين على الإقبال على المنطق، وليس بوصفه سلطة علمية في هذه الصناعة.

وعندما يُدرج المؤلف ابن طُملوس ضمن الرشدية، فإنه يعني بذلك الرشدية بمعناها العلمي، أي من حيث هي أكثر ارتباطا بالعلوم التي أَلَّفَ فيها الرجلان، وخاصة الطب والمنطق، وأبعد ما تكون عن الاعتبارات الإيديولوجية التي تجعل من ابن رشد مُبَشِّرًا بالعلمانية والبُرهانية والحداثة[11] في الفكر العربي الإسلامي، ويوضح ذلك قائلا: ”إن الأمر يتعلق بامتداد فكري طبيعي لأثر ابن رشد الذي كان ابن طُملوس أبرز تلامذته وقُرَّائِهِ؛ فلا شك أن هذا الأخير قد تتلمذ لأبي الوليد، هو ونظارٌ غيره، وتبنى الكثير من الرؤى الرشدية وبلورها في فحصه لمسائل بعينها، من غير أن يعني ذلك غياب اجتهاد ورؤية شخصيين.“[12]

فالغرض المباشر والأعم الذي يعلن عنه الدارس ويضعه إطارا عاما لعمله حول ابن طُملوس هو ”تسليط بعض الضوء على فترة غالبا ما يحصل تجاهلها اضطرارا من قبل الدارسين، والفترة المعنية هي ما بعد ابن رشد، وفي الغرب الإسلامي تحديدا […] فإننا نقصد، بكل تواضع، النظرَ في حياة وأعمال فيلسوف تتلمذ لابن رشد تلمذة مباشرة، وعاش بعد وفاته ربع قرن من الزمن تقريبا.“[13] ومن ثم، ملء جزء من الفراغ الفكري الذي تعانيه الدراسات العربية والاستشراقية على حد سواء عندما تُوَاجَهُ بسؤال مصير الفلسفة في العالم العربي الإسلامي في العصور الوسطى بعد ابن رشد، ومصير فكره ونصوصه، على اعتبار أن هذا الفراغ في نظر الدارس هو الذي أطلق العنان لمثل هذه الأحكام ”الاختزالية“ و”المسبقة“ و”المغلِّطة“ حول ابن طُملوس والرشدية في الغرب الإسلامي.

وقد جمعت هذه الدراسة بين ثلاثة أبعاد رئيسية: أولها، أنها جمعت أكبر قدر من المعلومات التاريخية المتعلقة بفكر وحياة ومحيط ابن طُملوس من كتب التراجم والفهارس. وثانيها، أنها عمل تحليلي تركيبي وقف عند ما تراكم إلى حدود يومنا هذا من أحكام ونتائج حول جوانب من أعمال ابن طُملوس ورصدت أهم الدراسات التي أُنجزت حوله، ثم هي عمل نقدي تقويمي يقف عند أهمية وقيمة وحدود ومآزق تلك الدراسات. وثالثها، أنها قدمت للقارئ نشرة نقدية، هي عبارة عن تحقيق لجزء من متن ابن طُملوس المنطقي، ويتعلق الأمر بـصدر كتاب ابن طُملوس في المنطق.

  1. أعمال ابن طُملوس وفكره

لقد خلص المؤلف من تَعقّب صورة ابن طُملوس في كتب التراجم والطبقات إلى أنها تُجمع على أنه كان فاضلا ومتحققا، على الأقل، في ثلاثة علوم هي الطب والنحو والفلسفة، بل إنه كان آخر المتحققين في هذه العلوم بالأندلس؛ كما خلص إلى أن هذه الكتب تعطي الأسبقية لابن رشد على بقية الأعلام ممن تتلمذ على أيديهم ابن طُملوس، وتُقدم صحبته له على أية صحبة أخرى، كما تذكر أنه كان متحققا في علوم الأوائل، وهذا ما سمح للمؤلف أن يستنتج أن ابن طُملوس ”قد أخذ عن أبي الوليد لا المنطق فحسب، وإنما بقية العلوم المحسوبة على علوم الأوائل.“[14]

ورغم أن المؤلف لم يقف من تلامذة ابن طُملوس، الذين يحتمل أنهم حضروا دروسه، إلا على اسم واحد في انتظار ظهور معطيات جديدة، إلا أنه يُؤكد استمرار فكره وتأثيره في الغرب الإسلامي، ويُورد ما يؤكد أن نصوصه المنطقية كانت تدرس في القرن السادس عشر الميلادي جنبا إلى جنب مع نصوص ابن سينا وابن رشد وأفضل الدين الخونجي (ت. 646هـ/1248م) وأبي عبد الله ابن عرفة التونسي(ت. 803هـ/1401م).

أما عن فكر وحياة ابن طُملوس من خلال المعطيات التي تُمدنا بها كتبه، فإن المؤلف قد امتاز في دراسته هذه باستدعائه لكل المتن الطُّملوسي المعروف، المنشور منه والمخطوط، لرسم صورة عامة عن أبي الحجاج وتوجهاته الفكرية والسياسية، وهذا ما مَكَّنَهُ إما أن يُزكّـي المعطيات المتداولة سلفا عن فكره وحياته، أو يُعدّل بعضها، أو يضيف معطيات جديدة تُكشَف لأول مرة؛ ومن أبرز الخلاصات التي وصل إليها المؤلف في هذا الشأن، نذكر ما يلي:

أولا: أن ما عرضته نصوص ابن طُملوس من معطيات عن فكره وحياته لا يتعارض عموما مع ما أوردته كتب التراجم والطبقات.

ثانيا: أن كُتبه، وبالخصوص كتاب الشعر، تشهد لتكوينه الأدبي واللغوي الرفيع، لدرجة أنه ساق أمثلة وأشعارا في كتابه هذا من ثقافته الخاصة، ولم يُعَوِّل فقط على ما أورده سابقوه.

ثالثا: أن الجزء الخاص من المقاييس الفقهية من كتابه القياس يشهد له بمعرفته بأصول الفقه والخلاف الفقهي، واطلاعه على بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد.

رابعا: أن شرحه على أرجوزة ابن سينا في الطب تؤكد أنه اطلع على الكليات في الطب لابن رشد، ومن خلاله على آراء ابن زهر (ت. 557هـ/1162م) وأبقراط (ت. 370 ق.م) وجالينوس (ت. 216م)، كما يُرَجِّحُ المؤلف أن يكون قد دَرَسَ الطب على يد ابن رشد.

أما بخصوص تَضلُّعه في علوم الأوائل من إلهيات وطبيعيات ورياضيات، فإن ما تُمدنا به نصوص ابن طُملوس لا تسمح، بحسب المؤلف، بتأكيد ما ذكرته كتب التراجم من أنه كان متحققا فيها، إلا إذا كان المقصود من عبارة ”علوم الأوائل“ المنطقَ وحده؛ لكن المؤلف، وإن صرح أن ”ما نملك اليوم من أعمال ابن طُملوس لا يعكس فعلا ذلك التحقق الذي ادعاه له ابن الأَبَّار وغيره“[15] بعلوم الفلسفة عامة، عاد ليقول: ”تشهد نصوص ابن طُملوس لاطلاعه على بعض الكتابات المنطقية والفلسفية التي وُجدت في زمنه.“[16] وتشهد لمعرفته بالفلسفة وأجزائها، وإن لم يؤلف فيها، كما يؤكد المؤلف أن ابن طُملوس كان عارفا بعلم الكلام، ”وأنه لم يكن يحمل تجاه هذا العلم ما كان شيخه ابن رشد يحمله من مواقف مطبوعة بالحذر والتحذير.“[17] وعلاقة ابن طُملوس هذه بعلوم الفلسفة تُثير التساؤل، حسب المؤلف، حول ما إذا كان ابن طُملوس يشكل بداية لذلك التقليد في الكتابة الفلسفية في الأندلس، التي تركز على المنطق والطب دون العلوم الفلسفية الأخرى.

أما عن التكوين المنطقي لابن طُملوس، فإن نصوصه تقدم شهادة قوية على ذلك، وقد أخرج المؤلف نشرة نقدية مُـحَقَّقَةً لسائر نصوص ابن طُملوس المنطقية. غير أن ما شَدَّ اهتمام المؤلف، في الجانب المنطقي من تكوين ابن طُملوس، هو حضور نصوص الأعلام السابقين عليه في متنه، خصوصا وأن هذا الحضور قد أثار إشكالات لدى الدارسين المعاصرين. وقد خرج المؤلف بما يشبه رؤية شمولية ناظمة لهذا الحضور، يذهب من خلالها إلى أن منطق الغزالي قد شكل ما يشبه المرحلة الابتدائية من التكوين المنطقي لابن طُملوس، وأن مدح هذا الأخير لأبي حامد في صدر كتابه في المنطق كان بسبب تقريبه المنطق من الفقهاء، مستعملا ألفاظا مألوفة عندهم، وأمثلة ملائمة لثقافتهم الدينية، ومُسْتَلهَمَةً من الخطاب الشرعي نفسه؛[18] لكن هذا المدح والاستلهام المنهجي، لا ينفي أن ”نصوص الغزالي المنطقية قد ظلَّت غائبة عمليا عن متن كتابه في المنطق.“[19] وهذا الأمر هو الذي دفع بلاصيوس إلى السقوط في التناقض، حسب المؤلف، بين القول إنه لا تأثير للغزالي في كتابي المقولات والعبارة لابن طُملوس، والقول إن ابن طُملوس يُعد امتدادا للغزالية في الغرب الإسلامي. لكن التأويل الذي يقترحه المؤلف لهذه العلاقة الملتبسة بين ابن طُملوس والغزالي، على المستوى المنطقي على الأقل، هو نفي التأثير المنطقي العلمي للغزالي والتأكيد على التأثير الأسلوبي الشكلي.

وبخصوص حضور ابن سينا، ينتهي المؤلف إلى أن ابن طُملوس كانت له معرفة بمنطق الشيخ الرئيس، رغم الإشارات القليلة التي وردت في كتب ابن طُملوس المنطقية، هذا فضلا عن حضوره الطبي من خلال شرح أرجوزة ابن سينا في الطب. أما الفارابي، فقد احتل مكانة أكبر في المتن المنطقي لابن طُملوس، وحاز على قدر كبير من الإشارات من بين الفلاسفة الآخرين، والمقارنةُ بين نصوص الفيلسوفين أظهرت للمؤلف أن ابن طُملوس ينهل من أعمال الفارابي، لكن مع تغليب واضح لأعمال ابن رشد، الذي يظل مع ذلك أكبر مرجعية منطقية لابن طُملوس بحسب المؤلف، رغم أن اسمه هو الغائب الأكبر عن كتابه في المنطق. وبعد أن يشير كذلك إلى الحضور الأرسطي الواضح في أعمال ابن طُملوس المنطقية، يعرض المؤلف صورة تركيبية تحدد درجة حضور هؤلاء الأعلام في منطق ابن طُملوس قائلا: ”وكأني بأبي الحجاج يريد أن يقدم صورة أرغانون مكتملة، كانت العناصر الرشدية هي الأساس في هذه الصورة مع إتمامها بعناصر فارابوية وسينوية (بدرجة أقل بكثير) وبمجهود شخصي واضح.“[20]

أما عن المقدمة التي وضعها ابن طُملوس لكتابه في المنطق، ودورها في الكشف عن اتجاهه الفكري وصلته بالاتجاهين الغزالي والرشدي، فإن المؤلف، وإن أكد على قيمة هذه المقدمة وأنها أشبه بسيرة ذاتية علمية كما أشار إلى ذلك بلاصيوس من قبل، إلا أنه يُنبه إلى أنها قد صارت مصدرا لأخطاء ومغالطات لدى كثير من الباحثين في حكمهم على فكر ابن طُملوس، بسبب اعتمادهم لما جاء فيها دون غيرها من أجزاء الكتاب المنطقية. ومن الطبيعي، حسب المؤلف، أن يؤدي مثل هذا النظر الاختزالي ”إلى أقوال من قبيل أنه لا تأثير لابن رشد في ابن طُملوس، وأن الرجل كان تلميذا مُتحمِّسا للغزالي، بل ممثلا حقيقيا للغزالية في الغرب الإسلامي، وأن الرجل لما أراد أن يتعلم المنطق لم يجد أمامه إلا كتب الغزالي، ولم يحصل على كتب الفارابي وأرسطو في المنطق إلا بعد جهد جهيد؛ أما كتب ابن رشد، فلا أثرَ لها عنده،“[21] وأن معرفته بالفلسفة وعلم الكلام قد كانت متواضعة.

ولكن عندما نأخذ المقدمة والأجزاء المنطقية الأخرى بعين الاعتبار، يتأكد لنا، حسب المؤلف، أن ابن طُملوس كان على علم بالأجزاء الأخرى للفلسفة، عارفا بعلم الكلام وقضاياه، وأن كتب الغزالي المنطقية، شكلت بداية تكوينه المنطقي، وأنه انتقل منها إلى كتب الفارابي وأرسطو بعدما أدرك أنها قاصرة في هذه الصناعة، وأن ابن رشد شَكَّلَ المرجعية المنطقية العليا لابن طُملوس، بل قد يكون هو ذلك الشخص الذي ذكر ابن طُملوس أنه لجأ إليه لفهم ما أُشْكِلَ عليه في كتب الفارابي وأرسطو المنطقية؛ وأن ابن رشد قد ”حضر فعلا في مجموع الكتاب الذي يمكن اعتبار أجزاء منه نقولا لأقوال ابن رشد لفظا ومعنى.“[22] أما كون ابن طُملوس أحجم عن ذكر ابن رشد بالاسم في الكتاب المنطقي، فليس دليلا على غيابه الفكري.

وفي مقابل هذا التفسير لهذه المقدمة، يقدم المؤلف تفسيرا مغايرا، يرى بموجبه أن جو الانفتاح العام الذي ساد الأندلس في فترة ابن طُملوس لا ينفي واقع الخصومة تجاه المنطق والفلسفة من قبل كثير من النظار من فقهاء وأدباء ورحالة، ويخلص، بعد إيراد نماذج منها، إلى أن هذه المواقف العدائية من المنطق والفلسفة قد تكون وراء تلك المقدمة التي صدر بها ابن طُملوس كتابه في المنطق ”والذي كَتَبَهُ بهواجس من يكتب في مناخ مُعَادٍ للمنطق؛“[23] الأمر الذي جعلها أشبه بمرافعة أمام عصره لتسويغ الاشتغال بالمنطق.

أما بخصوص مؤلفات ابن طُملوس، فإن المؤلف قبل عرضها وتقديم معطيات قَيِّمَةٍ بصددها، نَبَّهَ إلى أن كتب التراجم التي ترجمت له لم تأت على ذكر أي من كتبه، رغم أنها أشارت إلى تكوينه الطبي والمنطقي والأدبي والفلسفي؛ وسيعتمد المؤلف في تحديد هذه الكتب على ما ذكره ابن طُملوس نفسه في كتبه المعروفة اليوم، وعلى ما نشر، وما لم ينشر بعدُ من مخطوطات معروف اليوم نَسَبُهَا إلى ابن طُملوس، وقد أفضى به ذلك إلى جرد الكتب التالية:

  1. الشعر: ويتعلق الأمر بالمقاطع التي أوردها أصحاب الطبقات والتراجم لابن طُملوس، وببعض الأبيات التي ذكرها في كتاب الشعر.
  2. شرح أرجوزة ابن سينا في الطب: وقد سار فيه ابن طُملوس على مذهب الأطباء وليس على مذهب الفلاسفة؛ يكتسي قيمة علمية كبيرة على مستوى علاقة ابن طُملوس بمحيطه الثقافي والسياسي، أشاد فيه ابن طُملوس بابن رشد، وقد أحصى المؤلف ثماني نسخ لنص الكتاب، الذي لم ينشر بعدُ كاملا.
  3. مقالة في معالجة الأخلاط: لا تشير كتب التراجم والطبقات إليها، ذكرها ابن طُملوس في شرحه الطبي، وهي مقالة مفقودة اليوم.
  4. مسألة في انعكاس القضية الكلية السالبة: وهي مُوَجَّهَةٌ لنقد وِجْهَةِ نظر ابن سينا في مسألة انعكاس القضية الكلية السالبة، ذكرها ابن طُملوس في كتاب القياس، وهي مفقودة أيضا.
  5. مسألة اختلاط المقدمات من الوجودي والضروري: لم تُحقَّق إلى اليوم، ولا تتوفر منها إلا نسخة لاتينية، وهي مفقودة في أصلها العربي.
  6. كتاب في المنطق: وهو عبارة عن شرح مختصر لمجموع كتب الأرغانون الأرسطي في صيغته التي عُرِفَ بها بعد الفارابي، تعامل فيه ابن طُملوس مع النص الأرسطي من خلال الشروح العربية، يتألف من عشرة أجزاء، هي: المدخل (إيساغوجي)، والمقولات، والعبارة، والقياس، والتحليل، والبرهان، والأمكنة المغلطة، والجدل، والخطابة، والشعر. لا تُعْرَفُ من الكتاب اليوم إلا نسخة واحدة مخطوطة موجودة بمكتبه الإسكوريال، وقد أصدر المؤلف الكتاب كاملا بجميع أجزائه، بعنوان المختصر في المنطق.
  7. صورة ابن طُملوس في الدراسات الاستشراقية

أما القسم الثاني من الكتاب، والذي عنونه المؤلف بـ: ”الوضعية الحالية للبحث في ابن طُملوس،“ فقد خصصه لرسم صورة عامة للوضعية الراهنة للبحث في أعمال وفكر ابن طُملوس، وهو تَحَدٍّ تَطَلَّبَ منه جرد وتحليل ونقد جُل ما أُنجز عنه لحد الآن مما قُدِّر أنه يحمل جديدا. وقد ميز المؤلف في هذه الدراسات بين ثلاثة اتجاهات: أولها، تمثله الدراسات التي عرضت لابن طُملوس بشكل عابر، وذلك في معرض الحديث عن الرشدية وعن تأثير ابن رشد، وقد خلص المؤلف إلى أن مجمل هذه الدراسات ساهمت في تكوين صورة غامضة، بل ومُضَلِّلة، عن فكر وأعمال الرجل. وثانيها، هي الدراسات التي بقيت عموما تحت ظل بلاصيوس، إما باستعادة أحكامه أو بالاعتماد فقط على نشرته النقدية للمدخل. وثالثها، هي تلك الدراسات التي اشتغلت على أعمال ابن طُملوس تحقيقا وتعريفا ودراسة، وهي أعمال، على قلتها، إلا أنها قَطَعَت مع فترة طويلة من الجمود والغياب الذي عرفه البحث في هذا العلم.

ونكتفي هنا بالوقوف عند أهم الدراسات التي حاورها المؤلف؛ وأولها هي دراسة المستعرب الإسباني ميكائيل أسين بلاصيوس Asín Palacios  Miguel (1871-1944م)، الذي نشر دراسة عن ابن طُملوس وقطعة من صدر كتابه في المنطق سنة 1908، ثم نشر الصدر وبعض الأجزاء من الكتاب المنطقي[24] سنة 1916. ورغم أنه لم يكن أول من أتى على ذكر ابن طُملوس من الُمحدَثين، لكنه كان هو صاحب أول دراسة عنه، فهو الذي اقترح عنوان كتاب المدخل لصناعة المنطق.[25]

أما المسألة الأهم التي يناقش فيها المؤلف بلاصيوس، فهي ما اصطلح عليه المؤلف ”مسألة بلاصيوس،“ وتتعلق بعلاقة ابن طُملوس بابن رشد؛ فما دامت كل التراجم قد قدمت ابن طُملوس تلميذا لابن رشد، فإن عدم ذكر ابن طُملوس لاسم أستاذه في أيٍّ من أعماله المنطقية، قد دفع بلاصيوس إلى البحث عن تفسير لهذا التجاهل. وقد حَدَّدَ سببه في محنة ابن رشد، فقد كان الناس حديثي عهد بالمحنة، فما كان ابن طُملوس ليجرؤ على ذكر أستاذه وفلسفته، تفاديا لإثارة دوائر الحكم الموحدي، أو إثارة حفيظة الفقهاء الذين أَلَّـبُوا الخليفة ضد ابن رشد من قبل. وإذا كان المؤلف يوافق على هذا التفسير، فبشكل جزئي فقط، لأنه يرى أن هذه المسألة لم تنحل بعد كليا ومن السابق لأوانه الحسم فيها، وأن المشكلة تنحصر في عدم ذكر اسم ابن رشد في الأعمال المنطقية دون الطبية التي لم يطلع بلاصيوس عليها، والتي ذكر فيها ابن طُملوس ابن رشد بتقدير وتبجيل، وتنحصر أيضا في عدم ذكر اسمه دون استلهام فكره ومقاطع من متنه المنطقي.

أما بخصوص قيمة منطق ابن طُملوس ومنزلته في تطور المنطق العربي ككل، فإن بلاصيوس، كما يسجل المؤلف، وإن لم يقم بالمقارنة بين نص ابن طُملوس ونصوص ابن رشد وابن سينا والفارابي وأرسطو وابن باجة، ورغم وعيه بأنه من المستحيل تقويم مذهب ابن طُملوس المنطقي قبل نشر كامل أعماله المنطقية وفحصها، إلا أنه رَجَّحَ أن تكون أصالة ابن طُملوس محدودة وأنه نقل كثيرا من نصوص السابقين عليه. وعليه، فإن أهمية عمل ابن طُملوس تنحصر، في نظره، في قيمته الأثرية من حيث إنه احتفظ بأعمال مناطقة معروفين كانوا قبله، وفي أسلوبه في عرض كامل أجزاء الأرغانون، وفي حِسِّهِ النقدي في مقابل تَزَمُّتِ ونمطية فقهاء بلده وموقفهم من علوم الأوائل.

أما العمل الثاني حول ابن طُملوس الذي عرض له المؤلف، فهو لمستعرب إسباني آخر هو أنجيل غنصليس بلانسية Ángel González Palencia (1889-1949م)، الذي خصص لابن طُملوس حَيِّزًا في كتابه تاريخ الفكر الأندلسي بوصفه أحد التلاميذ المباشرين لابن رشد؛ لكن ما جاء به من أحكام، حسب بن أحمد، هو مجرد قبسات مما قاله صديقه وأستاذه بلاصيوس من قبل، ولم تقدم معلوماته عن ابن طُملوس للبحث أية خطوة إلى الأمام. ونفس الحكم يخرج به المؤلف عند فحصه للمسرد الذي خصصه نيقولاس ريشر Nicholas Rescher لابن طُملوس في كتابه تطور المنطق العربي الذي صدر عام 1964، فهو لم يكتف فقط بترديد ما وصل إليه بلاصيوس من قبل، بل إنه وصف العمل المنطقي لابن طُملوس بالعقم، دون أن يكلف نفسه عناء الرجوع إلى أعمال ابن طُملوس نفسها.

أما دراسة عبد العالي العمراني-جمال، ”عناصر جديدة لدراسة المدخل لصناعة المنطق لابن طُملوس (620هـ/1223م)،“[26] فيسجل المؤلف أنها تحمل فعلا عناصر جديدة في قراءة أعمال ابن طُملوس؛ ففضلا عن المعلومات التي صححها العمراني-جمال عن حياة ابن طُملوس، فقد خرج بثلاث خلاصات رئيسية حول فكر ابن طُملوس. أولها، أنه كان على اتصال مباشر بابن رشد، بل كان يُجله ويُقدره، وأن تغييب ذكر اسمه في المدخل واستحضار اسم الغزالي إنما كان، على العكس مما يوحي به ذلك، بغرض استحضاره والدفاع عنه بالطريقة التي يمتلكها فيلسوف ليس لديه السلطة السياسية ليحمل الناس على الإقبال على فكر ابن رشد، كما فعلوا من قبل مع الغزالي. أما الخلاصة الثانية والثالثة، فمضمونهما أن غياب اسم وأعمال ابن رشد في المتن المنطقي لابن طُملوس لا يجد تفسيره في المحنة كما اعتقد سابقا، لأن المدخل لصناعة المنطق قد حُرِّرَ، في تقدير العمراني-جمال، قبل المحنة، بل في اعتماد ابن طُملوس الفارابي مرجعية منطقية بدل ابن رشد الذي ظل، مع ذلك، يُكِنُّ له ابن طُملوس المودة والتقدير. ومن ثم، فالعمراني-جمال يشكك في العلاقة بين محنة ابن رشد وسكوت ابن طُملوس عن ذكر اسمه. والحال، حسب المؤلف، أن العمراني-جمال ما كان ليخلص إلى هذا الحكم لو قارن النصوص المنطقية لابن رشد وابن طُملوس؛ ذلك أن ”قراءة كتاب ابن طُملوس في المنطق تُظهر أيضا ارتباطا أكبر بأعمال ابن رشد المنطقية،“[27] ما يعني، بحسب المؤلف، أن العمراني-جمال بدوره لم يتخلَّص من ظِلِّ بلاصيوس، وإن قدم تفسيرا مغايرا له عن غياب اسم ابن رشد من العمل المنطقي الطُّملوسي.

أما أعمال دومينيك أورفوا Dominique Urvoy، فإنها لم تنشغل بمنطق ابن طُملوس إلا بالعَرَضِ، وأن جُلّ الذي استوقفها هو مضامين مقدمة كتاب في المنطق، لما تحمله من تقويم للوضعية الفكرية والثقافية للأندلس؛ وتكمن أهمية هذه الدراسة، في نظر المؤلف، في مراجعة الصورة التي رسمها ابن طُملوس نفسه عن عصره، والتي توحي أن موقف الفقهاء كان موحدا بصدد مناهضة المنطق والفلسفة، وأن حل هذا المشكل يَتَأَتَّى عبر إبداء التعاطف مع الغزالي لعل الإحالة إليه تُفيد في مصالحة الأندلسيين مع المنطق، في حين يذهب أورفوا إلى أن الوثائق التي تعود إلى تلك المرحلة تتعارض مع تلك الصورة، وتقدم صورة أعقد من ذلك.

أما دراسة محمود عروة عن طب ابن طُملوس، فإنها، في تقييم المؤلف، قد تقدمت بالبحث في طب ابن طُملوس خطوة إلى الأمام في اتجاه فهم النظرية الطبية الطُّملوسية، حيث عمدت إلى مقارنة شرحه لأرجوزة ابن سينا في الطب بشرح ابن رشد وكتابه الكليات في الطب، وانتهت إلى أن عمل ابن طُملوس لا يعدم الأصالة الفكرية، وأنه قد عبر في شرحه عن روح نقدية تجاه أعمال أبقراط وجالينوس وابن سينا، كما أسند شرحه بتجاربه الطبية؛ وأنه رفض على غرار ابن رشد، ضدا على ابن سينا، ما بَدَا له خارجا عن الصناعة الطبية، من قبيل تأثير النجوم وتدخل الأحلام في التكهن بالأمراض والإنذار بها.

هذا، ويُعَدُّ عمل مارون عوّاد Maroun Aouad، الذي حَقَّقَ وتَرجَمَ وقَدَّمَ لــكتاب الخطابة[28] لابن طُملوس، مناسبةً، حسب المؤلف، لمراجعة الكثير من الأحكام حول صلة كتب ابن طُملوس المنطقية بمحيطها الثقافي، وحول صلة ابن طُملوس بالغزالي وابن رشد؛ فنشرة عوّاد تعتبر نموذجا يحتذى في تحقيق أعمال ابن طُملوس، وهي أول دراسة عن كتاب الخطابة لابن طُملوس تضع الكتاب في مكانته ضمن التقليد العلمي العربي. فقد عَرَّفَ عوّاد بكتاب مجهول لابن طُملوس وفك العزلة الثقافية عن منطقه، وأبرز اطلاعه على نصوص ابن طفيل وابن سينا وابن رشد؛ كما أن عوّاد في دراسته وضع الكتاب ضمن إشكالية علاقة ابن طُملوس بابن رشد، وعَقَدَ مقارنات ليثبت تَـتَـلـْمُذَ ابن طُملوس لابن رشد، لدرجة أنه اعتبر كتاب ابن طُملوس يكاد يكون تلخيصا لتلخيص كتاب الخطابة لابن رشد. كما وقف على مواطن الجدة والإبداع، بل والخروج عن الخط الرشدي، خصوصا ربطه للطرائق الإقناعية الخطابية بعلوم الشريعة والعقيدة الإسلامية وبعملية تيسير تعليم الحقائق الميتافيريقية العامة. ولم يَفُت المؤلف التنبيه على الأخطاء والهفوات التي حصلت في نشرة عوّاد لكتاب الخطابة، والتي تُبرِّر، في نظره، إعادة تحقيق هذا الكتاب من جديد.

أما بخصوص الإسهام الشعري لابن طُملوس، فإن المؤلف، ولإبراز قيمة هذا الإسهام ضمن الأعمال السابقة للفلاسفة العرب، ذكَّر بالأهمية التي حظيت بها نظرية الشعر المنطقية لدى فلاسفة الإسلام الذين أدمجوا الشعر ضمن ما يسمى بالأورغانون الموسّع ولم يفصلوه عنه كما فعل أرسطو، وقد أبرز المؤلف أن هذا الإدماج يعود بالأساس إلى إرجاع الشعر نفسه إلى البنية التقليدية للقياس جنبا إلى جنب مع القياسات البرهانية والجدلية والمغالطية والخطابية.

غير أن الدراسات حول القياس الشعري ظلت محدودة،[29] ولم يقف الباحثون قبل اكتشاف عمل ابن طُملوس إلا على ثلاثة عروض من هذا القياس لدى ابن سينا والفارابي، غير أن إطلاع مارون عوّاد على كتاب ابن طُملوس في الشعر دفعه إلى مراجعة ما سُبق أن قيل بخصوص القياس الشعري كلية. وأهمية كتاب الشعر لابن طُملوس عند عوّاد تظهر في مستويين: الأول، هو السير على خطى ابن رشد في المصطلحات والأمثلة التي استقاها منه؛ والثاني، كونه يحمل عناصر لا توجد عند أستاذه لأنه يقدم تركيبا وبيانا لباقي العروض في القياس الشعري،[30] كما أضاف إلى نص ابن رشد عناصر فارابية وسينوية، وهو ما سمح له بإتمام مذاهب الفلاسفة العرب في الشعر وتركيبها. غير أن غريغور شويلر في دراسة جديدة له حول القياس الشعري، ”مراجعة القياس الشعري،“ ذهب إلى أن أبا الحجاج قد خرج خروجا واضحا عن خط شيخه الذي سبق وصرح بأن ”هذه الصناعة، وإن كانت قياسية، فليست تستعمل القياس بالفعل ولا لها نوع منه تختص به، بل متى استعملت قولا قياسيا بالفعل، فعلى جهة الغلط ولتشبيهها بصناعة أخرى.“[31] وتأكيدُ ابن طُملوس على قياسية الأقاويل الشعرية قد يعتبر واحدا من بين عناصر أخرى من شأنها أن تدفع المؤلف، في نظرنا، إلى مراجعة تصوره عن علاقة ابن طُملوس بابن رشد.

أما الصورة العامة التي ترسمها الموسوعات العلمية عن ابن طُملوس، فإنها، في تقدير المؤلف، على العموم، تقف عند مجرد استعادة الأحكام السابقة، وتقتصر على ما كُتب عنه من دراسات بغير اللغة العربية، ولا تعود إلى نصوص ابن طُملوس نفسها لفحصها، بل إنها أحيانا لا ترقى حتى إلى مستوى استعادة ما تراكم من أبحاث، ما جعلها تسقط في ترويج الكثير من المغالطات. وقد تعرض المؤلف بالعرض والتقييم لأعمال خوان فرنت Juan Vernet في دائرة المعارف الإسلامية، وجوزيب بويج مونتادا Josep Puig Montada في الموسوعة الأندلسية، وآنـَّا أكصويAnna Akasoy  في الموسوعة الفلسفية للقرون الوسطى.

ويسجل المؤلف، في خاتمة هذا الفصل، المفارقة التي يشهدها البحث في ابن طُملوس، فرغم أن اكتشاف مخطوطاته قد تم في زمن مبكر، فإن إخراجها لا زال يشهد تباطؤا كبيرا؛ إذ تظل أجزاء من عمله المنطقي وشرحه الطبي لم تنشر إلى يومنا هذا، الأمر الذي ترتب عنه أن أجزاء كثيرة من فكره لم تُدرس بعد؛ كما يسجل على هذه الدراسات أنها ركزت على رد عمل ابن طُملوس إلى أصوله، سواء لدى الفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد أو الغزالي ”بدل الوقوف على مُنْجَزِهِ في حد ذاته“[32] في أصالته وعطائه.

  1. صورة ابن طُملوس في الدراسات المغربية

وفي الفصل الثاني من هذه الدراسة، تطرق المؤلف للمُنجز المغربي بخصوص هذا الفيلسوف، وسّجل أن الاهتمام بابن طُملوس في الجامعة المغربية لم يتأخر مقارنة بالاهتمام بابن رشد والفارابي وابن سينا؛ وقد توزع اهتمام الباحثين المغاربة بين إخراج نصوصه، وتوثيق أعمال وسيرة الرجل، ثم دراسة فكره وآثاره.

وأول من دشّن البحث، حسب المؤلف، في ابن طُملوس، من المغاربة، هو عبد المجيد الصغيَّر، الذي أصدر عدة مقالات حول فكر الرجل وصلته بابن رشد والغزالي. والخلاصة التي يخرج بها المؤلف بعد فحصه لدراسات الصغيَّر هي أنها رغم نزوعها إلى مراجعة أحكام بلاصيوس، ”فإنها لم تفعل سوى أن طوَّرت دعواه المركزية ومدَّدتها، وهي أن ابن طُملوس كان غزَّالي المنحى على الرغم من تلمذَته على ابن رشد […] بل ذهب أبعد من ذلك إلى استعادة بعضٍ من هواجسه وخلفياته.“[33]

فابن طُملوس، بالنسبة للصغيَّر، يعتبر أحد تجليات تغلغل النزعة الغزالية في عقر دار ابن رشد ودليلا على أُفول المدرسة الرشدية؛ ما يؤكد ذلك، في نظره، هو فصل ابن طُملوس المنطقَ عن العلم الإلهي، ثم موقفه الإيجابي من علم الكلام، بل ومن الغزالي والمدرسة الأشعرية التي شكلت الخلفية الفكرية للدولة الموحدية. وإن الإعلاء من شأن علم الكلام وعدم التأليف في العلم الإلهي يعتبر، بالنسبة للصغير، قطيعة مع ابن رشد ورفضا لميتافيزيقاه. وفي المقابل، يعتبر هذا التحاقا بالغزالي الذي لم ير في فكر الفلاسفة شيئا يستحق الدفاع عنه غير المنطق، الذي رأى فيه ابن طُملوس، على غرار الغزالي، علما صُورِيًّا خاليا من أية نزعة عقائدية.

وإن عدم ذكر ابن طُملوس لاسم أستاذه في كتابه المنطقي، في نظر الصغيَّر، ليس بسبب تبنيه لمنطق الفارابي كما ذهب إلى ذلك العمراني-جمال، ولا موقفا اضطرَّته إليه المحنة، بل لأن كتب ابن رشد المنطقية ظلت معزولة عن الثقافة الإسلامية؛ وإذا كان الصغيَّر لا ينكر تلمذة ابن طُملوس لابن رشد، فإنه يعتبر هذه التَّلمذة، بعد أن اصطبغت بالغزالية، صارت دليلا على استمرار تأثير الغزالي في الغرب الإسلامي حتى في الوسط الرشدي. فابن طُملوس، في نظره، يعتبر أكثر وفاء للمشروع الفكري للدعوة الموحدية من ابن رشد، لأنه دعا إلى التوفيق بين الحكمة والشريعة عبر الوصل بين الشريعة والجزء المنطقي من الحكمة وليس الجزء الإلهي منها، وذلك انسجاما مع الدعوة الموحدية الداعية إلى الرجوع إلى الأصول في اتصالها واتفاقها.

وقد نالت دراسات الصغيَّر نصيبا وافرا من نقد المؤلف، من حيث إنها تتعارض مع الاتجاه العام لمؤلفه هذا الذي يجعل ابن طُملوس امتدادا للرشدية في الغرب الإسلامي. وهكذا، يسجل المؤلف على الصغيَّر أنه بنى خلاصاته بالتركيز على جزء من مقدمة كتاب ابن طُملوس في المنطق دون فحص لمجمل الكتاب، ودون مقارنة المقاطع التي تثبت تلمذة ابن طُملوس لابن رشد، ودون الانتباه إلى أن هذه المقدمة التي أشادت بالغزالي وسكتت عن ابن رشد ربما يكون لها مقصد على الضد مما صرحت به، وذلك لأنها أُخرجت إخراجا خاصا ربما لتمكين ابن رشد من أن يتغلغل في الثقافة الإسلامية مستفيدا من السلطة السياسية التي بفضلها تغلغل الغزالي من قبل في الثقافة الإسلامية؛ بل إن ابن طُملوس حتى في هذه المقدمة عندما أراد التعريف بالمنطق وأهميته اعتمد إحصاء العلوم للفارابي وليس كتب الغزالي. أما دعوى فصل ابن طُملوس للمنطق عن العلم الإلهي وربطه بالأصول، فإن المؤلف يرد عليها بالقول إننا ”لا نجد لابن طُملوس قولا صريحا في الدفاع عن صلة المنطق بالأصول، ولا قولا في الفصل بين المنطق والفلسفة على غرار ما فعل الغزالي، ولا اقتباسا من نصوص الغزالي الأصولية والمنطقية.“[34]

كما يُسجل المؤلف أن دراسات الصغيَّر ظلت تكرر الأحكام نفسها على مدى عشرين سنة، كما تعاني صعوبات على مستوى التوثيق، ولم تُواكب مستجدات البحث في ابن طُملوس، حيث ظل الرجل يُردّد أن كتاب المدخل لصناعة المنطق هو الكتاب الوحيد لابن طُملوس،[35] رغم أن دراسات صدرت من قبل أشارت إلى الشرح الطبي وإلى مكانة ابن رشد عند ابن طُملوس.

أما بخصوص الأعمال المغربية المتعلقة بنشر أعمال ابن طُملوس، فإن المؤلف يقف عند نشر الباحث المغربي محمد العدلوني الإدريسي لـ: المدخل لصناعة المنطق لابن طُملوس. فهو أول من يُخرج نشرة محققة لهذا المدخل بعد نشرة بلاصيوس لعام 1916، وهي نشرة من شأنها أن تضع أمام الباحثين نصا في غاية الأهمية خصوصا في الكشف عن فكر الرجل وعن مصير الرشدية. ومع الإشادة بعمل العدلوني، فإن المؤلف يُسجّل مجموعة من الملاحظات والنواقص التي شابت العمل لدرجة أنه يحكم أن ”ما يدعيه العدلوني من أنه ”تحقيق“ لعمل ابن طُملوس، فلا نتصور أن الأمر كذلك فعلا،“[36] بل يحتاج عمله لمراجعة شاملة بسبب الأخطاء التي وقع فيها، من قبيل إضافة أشياء لا وجود لها في النص أو القراءة الخاطئة لكثير من الكلمات والعبارات، ويقدم المؤلف أمثلة على ذلك، ليخرج بخلاصة مفادها حاجةُ هذا النص إلى إعادة تحقيق.

أما عن المُنجز المغربي عن ابن طُملوس في أطاريح الدكتوراه، فعلى قلة الأعمال في هذا الباب، فإنها، بحسب المؤلف، لا تقدم إضافات نوعية، بل إن منها ما هو مجرد تشويه لفكر ابن طُملوس، بل وسرقة علمية، كما هو الحال مع أطروحة الباحث محمد بن يعيش بعنوان: حضور الغزالي لدى مناطقة الغرب الإسلامي خلال القرن الثالث عشر الميلادي، التي هي، بحسب المؤلف، انتحال لمقاطع كبيرة من دراسات سابقة لعبد المجيد الصغيَّر.[37]

وبعد المتابعة الدقيقة لهذه الأعمال عن ابن طُملوس، خلص المؤلف إلى أن الاهتمام بابن طُملوس عرف تحولا مهما، من كونه جزءا من الاهتمام بمصير الفلسفة الرشدية في الغرب الإسلامي، إلى مَوْضَعَتِه ضمن التيارين الكبيرين اللذين يتقاسمان الفلسفة في الغرب الإسلامي الغزالي والرشدي، إلى الاهتمام أخيرا بفكره وبنصوصه وما تثيره من مسائل؛ الأمر الذي مكَّن من الحسم، على الأقل، في مسألة واحدة، وهي إثبات العلاقة المباشرة والوِدِّية لابن طُملوس مع ابن رشد بحسب المؤلف. غير أن المُنجز المغربي لا يزال مع ذلك، بحسب المؤلف، يتلمس خطواته الأولى، مقارنة بالدراسات الغربية التي سجلت تراكما نسبيا واتسمت بجدية أكبر.

  1. فكر ابن طُملوس بين مدرستين: الغزالية والرشدية

تكمن قيمة العمل الذي أنجزه بن أحمد عن ابن طُملوس، أولا، في وفائه للهدف العام الذي وضعه المؤلف ذاته لعمله هذا، والمتمثل أساسا في تسليط الضوء على مصير العلوم العقلية في الغرب الإسلامي بعد موت ابن رشد، وملء الفراغ الذي تعانيه الدراسات المعاصرة بصدد هذا الفكر وهذه الفترة، في اتجاه التأكيد على أن الاهتمام بفكر ابن رشد استمر بعد موته من خلال عدة تلاميذ، يعد ابن طُملوس من أبرزهم. لقد بذل المؤلف جهده لكي يجعل الصورة العامة لابن طُملوس هي الانتماء للرشدية، سواء من خلال المعطيات التي جمعها من كتب التراجم والطبقات، والتي تذكر تلمذة ابن طُملوس لابن رشد؛ أو من خلال تحليله لأعمال ابن طُملوس نفسه، التي تشيد بابن رشد كما في المؤلف الطبي، أو تجعله مرجعية علمية، حتى عندما تسكت عن ذكر اسمه كما في المؤلف المنطقي؛ أو من خلال محاورته للدراسات الحديثة والمعاصرة حول فكر وأعمال ابن طُملوس.

فَـبن أحمد لم يجعل عمله مجرد تجميع لمعطيات بيبليوغرافية، بل أدرَجه ضمن إشكالية عامة تنتظم حولها سائر أعماله حول أبي الحجاج، وتتعلق بهوية وقيمة وموقع ابن طُملوس ضمن الاتجاهات الفكرية للغرب الإسلامي في تلك الفترة، وخصوصا الاتجاه الغزالي-السينوي، ثم الاتجاه الرشدي-الفارابي-الباجي. كما نظم جميع فقرات وفصول وأقسام عمله ضمن أطروحة عامة ناظمة عنوانها العريض، هو إثبات أصالة واستقلالية الشخصية الفكرية لابن طُملوس على المستوى المنطقي والطبي على الأقل، ثم الحسم في اتجاه وصله بالرشدية وفصله عن الغزالية.

أما على مستوى منهجية البناء، فإن المؤلف زاوج بين الأسلوب الاستدلالي والحجاجي، بحيث إنه، وفي جميع مراحل العمل، كان يشتغل على واجهتين، الأولى هي التدليل على أصالة ابن طُملوس الفكرية في علاقته بسابقيه بمن فيهم أستاذه ابن رشد، والثانية هي تفنيد دعوى غزالية أبي الحجاج، حيث حاور المؤلف جميع الدراسات التي عرض لها في اتجاه ما اعتبره تصحيحا للصورة المغلوطة التي ظلت تلاحق ابن طُملوس وتُصنِّفه غزالي الهوى منذ 1908 مع المستشرق الإسباني آسين بلاصيوس. كما يُسجّل البحث في ابن طُملوس لفؤاد بن أحمد، في مؤلفه هذا، فضل الكشف عن الكثير من المعطيات عن فكر وأعمال وحياة ابن طُملوس.

وبن أحمد، وإن كان حاسما في دعواه بصدد هوية وقيمة عمل ابن طُملوس الفكرية، إلا أنه كان في نفس الآن واعيا بالصعوبات التي مازالت تعترض الباحثين وتمنعهم من تشكيل صورة شاملة وتامة ونهائية عن هذا العلم؛ على اعتبار أن آثاره لم تنشر كاملة، والبحث فيه لم يحقق بعد التراكم المطلوب، بل ظل لعقود من الزمن رهينة أحكام مغلوطة. ولهذه الاعتبارات فقد ظل المؤلف حذرا طوال عمله هذا، فأثار الكثير من التساؤلات، ووقف عند الكثير من الإشكالات التي لا تزال عالقة إلى اليوم بخصوص فكر وأعمال ابن طُملوس، واقترح على نفسه وعلى غيره من الدارسين مجموعة من الأوراش العلمية، التي من شأن الاشتغال بها أن يُبدِّد الكثير من اللبس والغموض الذي لا زال يكتنف فكر وعصر ابن طُملوس، ويسد النقص الذي ما زلنا نعانيه إلى اليوم بخصوص فكر ابن طُملوس خاصة ومصير الرشدية عامة. ومن بين هذه الأسئلة، نذكر ما يلي:

  • ما درجة الأصالة العلمية التي يتمتع بها ابن طُملوس في مؤلَّفيه الطبي والمنطقي، في علاقته بالسابقين عليه؟ وفي أي خانة نُصنِّف تأليفه المنطقي بالخصوص: هل هو ترتيب وتهذيب لمؤلفات السابقين عليه؟ أم تلخيص واختصار لمضامينها؟ أم شرح لما استغلق فيها؟ أم نقد واستدراك عليها؟ أم مجرد تكرار لها؟
  • ما دلالة تأليفه في المنطق دون العلوم العقلية الأخرى، وخصوصا ما بعد الطبيعة؟ وهل الدافع هو فقط ما ذكره في التقديم من عدم اكتمال الدراسات المنطقية ومحدودية انتشارها في الغرب الإسلامي؟
  • ما موقفه من علم الكلام؟ وهل كان يؤمن حقا بوحدة علم الكلام والإلهيات الفلسفية، وبإمكانية أن يكون الأول بديلا عن الثاني؟ وكيف يكون بذلك مخالفا لنهج أستاذه الذي كان يتَّهِم المتكلمين بتشويش العقائد بدل الدفاع عنها؟
  • ما نصيب ابن طُملوس من العلوم العقلية من غير الطب والمنطق، والتي تشير كتب التراجم إلى أنه كان متحققا فيها؟
  • هل كان لابن رشد تلاميذ آخرون استمروا في التدريس والتأليف في العلوم التي اشتغل بها، غير ابن طُملوس والتلاميذ الآخرون القلائل المعروفون إلى حد اليوم؟
  • هل كان لابن طُملوس نفسه تلاميذ آخرون غير أبي القاسم ابن يامن الشقري (ت. 661هـ/1262م)؟

وعموما، إن الدارس بعمله هذا، وبمشروعه العام المتعلق بنشر أعمال ابن طُملوس المنطقية، يكون قد وضع البحث في ابن طُملوس في سِكَّتِه للمرة الثانية، بعد بلاصيوس الذي سبق أن وضعه في المرة الأولى، لأنه يقدم لنفسه ولعموم الباحثين مادة علمية موثّقة تُمكنهم من تطوير البحث في كثير من الإشكالات التي لا تزال مفتوحة بصدد عمل وعصر ابن طُملوس، وموقعه ضمن الاتجاهات الفكرية لعصره.

وإن تقدير ما بذله المؤلف من جهد، وما قدمه للبحث العلمي في ابن طُملوس والرشدية بشكل عام، لا يمنع، مع ذلك، من أن نسجل بصدد عمله بعض الملاحظات النقدية، لعلها تُغني العمل خاصة، والنقاش بصدد مصير فكر ابن رشد عامة. فنقول إن ما قدّمه الدارس في كتابه هذا من معطيات وتحليلات ورُدود، يكفي حقا لإثبات الدعوى التي رفعها منذ بداية الكتاب وجعلها إطارا عاما لعمله حول ابن طُملوس، أي إثبات رشدية ابن طُملوس بالمعنى الذي حدّده للرشدية كمجرد استمرار الاهتمام بفكر ابن رشد وأعماله بعد موته؛ غير أننا نسجل أن الدارس، وفي سياق محاورته لما أورده من دراسات عن ابن طُملوس، تجاوز هذا الإشكال وانخرط في إشكال آخر أكثر دقة، يتعلق بانتماء ابن طُملوس إلى الرشدية كمدرسة وكتوجه فكري تتموقع على طرف نقيض من المدرسة الغزالية-السينوية، فصار هَمُّ الدارس خلال أعماله ليس فقط إثبات رشدية أبي الحجاج المنطقية، بل، وبموازاة ذلك، إثبات لا غزاليته. والحال أن ما أورده من معطيات إن كان يكفي لإثبات رشدية ابن طُملوس بالمعنى الأول، فإنه لا يقوم بالضرورة دليلا كافيا على رشديته بالمعنى الثاني، أو لنقل على لا غزاليته؛ إذ إن استلهام أبي الحجاج بعض أفكار ابن رشد أو بعض المقاطع من كتبه المنطقية وحتى الإشادة بمكانته العلمية، لا تعني بالضرورة تموقعه ضمن مشروعه الفكري في مواجهة مشروع الغزالي المقابل له.

فَـبن أحمد أدرج في عمله هذا فكر ابن طُملوس ضمن الرشدية بالمعنى الثاني ودافع عن ذلك باستماتة، وذلك دون أن يحدد صراحة ثوابت كلتا المدرستين الغزالية والرشدية، والتي على أساسها يفترض أنه حكم برشدية ابن طُملوس وبلا غزاليته. كما أن ما أورده من معطيات وحجج، في نظرنا، لا يقوم دليلا حاسما على الانتماء الفكري لابن طُملوس، لا إلى الرشدية ولا إلى الغزالية، وأن موضعة ابن طُملوس وتحديد توجهه الفكري قد يحتاج، في نظرنا، مزيدا من الفحص والنظر. فإن التلمذة المنطقية لا يلزم عنها بالضرورة التلمذة الفكرية. وعليه، فإن الفصل في علاقة ابن طُملوس بكل من ابن رشد والغزالي، بوصفهما مدرستين مختلفتين، لا يمكن أن يتم، في نظرنا، قبل استجلاء موقف أبي الحجاج على الأقل من ثلاثة تساؤلات، تتعلق بقضايا جوهرية في الخلاف بين المدرستين:

أول هذه الأسئلة يتعلق بالقيمة الفكرية لما أخذه ابن طُملوس في منطقه عن الغزالي وابن رشد، وما إذا كان حقًّا تأثير الغزالي ثانويا بينما شكّل ابن رشد، والفارابي بدرجة أقل، المرجع المنطقي الأساس لابن طُملوس؛ فهل ما أخذه ابن طُملوس من منطق الغزالي كان مجرد أمر شكلي أسلوبي، يبرر ما ذهب إليه بن أحمد من غياب تأثير حقيقي لأبي حامد في فكر أبي الحجاج؟

بخصوص هذا السؤال، يمكن القول إن مجرد إثبات اعتماد ابن طُملوس على نصوص ابن رشد المنطقية لا يكفي للتدليل على رشديته وعدم غزاليته، ما دام المنطق كان ينظر إليه عند الغزالي نفسه باعتباره آلة صورية صالحة لكل العلوم التي تصوغ مسائلها في قالب نظري، ومستقلا عن سائر العلوم شرعية كانت أم عقلية؛ وبالتالي، فلا إشكال، حسب الغزالي، في أن نستلهم هذه الآلة من أرسطو وسائر الفلاسفة، لتخصصهم في هذا الفن، وليس بسبب استعمالاته عندهم. فقد كان يؤمن بمشروعية وضرورة المنطق، ولم يعترض إلا على دعوى الفلاسفة بوفائهم لقوانين المنطق في علم الإلهيات، وخلافه معهم لم يكن حول المنطق ومشروعيته وقدرة قوانينه على إنتاج اليقين، بل حول دلالته وحدود تطبيقه.

بل إنه لم يُنصِّب نفسه أصلا سلطة علمية مرجعية في المنطق، ولذلك نراه يعترف للفلاسفة بالفضل والكمال في هذه الصنعة،[38] وإنما نَصَّب نفسه حقا سلطة علمية في إثبات المشروعية الدينية للمنطق، والحكم بضرورته للعلوم الشرعية مثلما هو ضروري للعلوم العقلية، ومن ثم إدماجه ضمن البيئة الثقافية الإسلامية التي كان يمسك الفقهاء بزمامها. وعليه، فإنه من الطبيعي إن كنا نريد أن نعثر لأثر لمذهب الغزالي المنطقي عند ابن طُملوس أن لا نبحث عنه على مستوى قوانين الصنعة المنطقية، التي لم يدَّع الغزالي الإبداع العلمي فيها، بل على مستوى الجهد الذي بذله لإقناع أهل عصره بمشروعيتها وجدواها حتى للعلوم الشرعية، وكذلك على مستوى التقنيات الأسلوبية والاصطلاحية التي اعتمدها لتقريب هذه الصنعة من لغة العرب حتى لا تبدو عباراتها غريبة ومنفّرة. وهكذا، فإن حكم ابن طُملوس على كتب الغزالي المنطقية بوصفها، على مستوى قوانين الصنعة المنطقية، تمهيدية وقاصرة، لا يلزم عنه نفي أهميتها على مستويات أخرى لا تقل أهمية.

وحتى لو افترضنا مع المؤلف أن إحالة ابن طُملوس في التّصدير على الغزالي والسكوت عن ابن رشد، لم يكن بغرض اعتماد الأول مرجعا منطقيا ولا بغرض التّغاضي عن السلطة العلمية للثاني، وإنما لأجل إعادة بناء الوضعية الثقافية للأندلس بما يخدم غرضه من هذا التقديم، ويتعلق الأمر بما يود أن يُقنع به مخاطبيه، ”وهو أن لا ضرر في الإقبال على تعلم المنطق والكتابة فيه،“[39] مُتوسلا في ذلك بسلطة الغزالي النفسية على فقهاء وجمهور الغرب الإسلامي؛ فإنه مع ذلك يمكن أن نتساءل مع المؤلف، أليس منطق الغزالي هو الأوفى بهذا الغرض من منطق ابن رشد؟

أضف إلى هذا أنه إذا كان الإشكال في الغرب الإسلامي زمن ابن طُملوس ليس هو وجود المؤلفات المنطقية التي تفي بغرض عرض قوانين هذه الصناعة ملخصة ومرتبة ومبسطة، وإنما كان هو الاعتراض أو التحفظ الذي وضعه الفقهاء على قراءة وتدريس المنطق والتأليف فيه، أفلا تكون الإحالة على الغزالي الذي نوّه ابن طُملوس نفسه بأسلوبه المنطقي وطريقته في مخاطبة أهل عصره[40] أنجع وأنسب لغرض ابن طُملوس، فيكون منطق الغزالي حينئذ بالنسبة إليه لا يقل أهمية عن منطق الفلاسفة؟ لأن الفلاسفة المسلمين، وإن شرحوا منطق أرسطو إلا أنه ظل معزولا عن البيئة الثقافية الإسلامية، بينما الغزالي أمَّن له القبول داخل هذه البيئة، وأصدر فتوى فقهية تُخاطب ضمير العامة والفقهاء، تقضي بوجوب إتقانه حتى من طرف علماء الشريعة، وبخاصة الأصوليين والمتكلمين.

بل إن كتب الغزالي، باعتراف بن أحمد نفسه، ورغم طابعها التمهيدي، صارت هي الأصل الذي قَاسَ عليه ابن طُملوس كتب الفارابي وأرسطو، وبشكل ضمني كتب ابن رشد أيضا، للحكم بمشروعيتها الدينية، فهذه الكتب، ”وبعد أن تبيّن له أنّه لا مخالفة بينها وبين الشرع، بوأها منزلة الحجّة أو الشاهد الأمثل الذي إليه حصل قياس كتب الفارابي وأرسطو.“[41] وكأن ابن طُملوس أدرك أن سلطة الغزالي المنطقية لا تكمن فقط في إصداره لفتوى مشروعية المنطق، بل في عملية التّقريب الشاملة التي اعتمدها، تأليفا وأسلوبا وحُكما شرعيا، وأن هذا التّقريب هو جوهر المشكل الذي كان يهُمُّ وضعية المنطق في الغرب الإسلامي. ولذلك، نجد ابن طُملوس قد قدم في صدر كتابه الحديث في عملية التّقريب الناجحة التي قادها الغزالي، عن الحديث في طبيعة المنطق ومنفعته وأجزائه كما تقرر عند الفارابي، لتوقف هذه على تلك.

وعلى هذا الأساس، فإنه حتى لو انتهى بنا فحص أعمال ابن طُملوس المنطقية إلى الحكم بأنه ”لا شيء يُثبت أن ابن طُملوس قد اقتبس من أعمال الغزالي المنطقية،“[42] فإن مجرد التنويه بطريقته في تقريب المنطق من البيئة الثقافية قد يعد قياسا إلى غرض ابن طُملوس بالغ الأهمية، ما دام المنطق كعلم عقلي وافد لا يتوقف الدفاع عنه على مجرد التأليف فيه، بل وقبل ذلك إقناع الذِّهنية الثقافية بإدماجه والقبول به.

وإذا تجاوزنا مسألة تقريب المنطق، وانتقلنا إلى المستوى المنطقي الصرف لرصد أثر ابن رشد لدى ابن طُملوس، فيمكن القول إن البحث في نصوص ابن طُملوس المنطقية عن المقاطع والمفاهيم التي استقاها ابن طُملوس عن ابن رشد، يفيد حقا في إثبات رشديته بالمعنى الذي قدمه المؤلف للرشدية في مقدمة كتابه البيبليوغرافي، كمجرد استمرار الاهتمام بأعمال أبي الوليد؛ لكنه مثلما يفيد في إثبات الرشدية، قد يفيد أيضا في إثبات غزالية وفرابية وسينوية ابن طُملوس، ما دام ابن طُملوس قرأ لهم وأخذ عنهم جميعا.

ذلك أن إثبات تلمذة ابن طُملوس المنطقية على غيره من الفلاسفة، لا يكفي فيه الاستناد إلى مجرد رصد حضور أسماء هؤلاء الفلاسفة ومقاطع من نصوصهم في المتن المنطقي لابن طُملوس؛ لأن المنطق علم صوري شبه موحد بين المشائين، وتقدير القيمة العلمية لكل فيلسوف على مستوى المنطق يتوقف ليس فقط على الشرح والتنقيح والترتيب، بل أساسا على الإضافات والمراجعات والإشكالات العلمية التي يمكن أن يُغني بها هذا الفيلسوف المنطق عبر تاريخه. وعلى هذا الأساس، فإننا ما لم نمتلك نظرية شاملة وأكثر دقة عن تطور المنطق العربي، وعن إضافات أو تعديلات أو إبداعات الفلاسفة المسلمين أمثال الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد، فإن الحكم على منطق ابن طُملوس بالرشدية أو الفارابوية أو السينوية يظل أمرا صعبا، ويظل أقرب إلى التخمين منه إلى اليقين.

ولذلك، فإن السؤال يظل مع ذلك قائما حول قيمة هذه النقول التي أخذها ابن طُملوس عن ابن رشد، وما إذا كانت نقولاً لإضافات انفرد بها ابن رشد، أم نقولاً لشروح رشدية لأفكار تعود أصلا لفلاسفة آخرين؛ فإن مجرد النقل وإن كان يُثبت التلمذة في حقل معين، إلا أنه لا يُثبت بالضرورة الانتماء إلى المشروع الفكري ككل. كما هو حال الغزالي مع ابن سينا والفارابي مثلا، فقد أخذ عنهما منطقهما دون الانتماء الكامل إلى مشروعهما الفكري.

وثاني الأسئلة يتعلق بحدود التأليف في العلوم العقلية البرهانية، ودلالة تأليف أبي الحجاج في علم بعينه دون غيره؛ فموقفه من صلة المنطق بالعلوم الشرعية والفلسفية يعد، في نظرنا، معيارا مهما في استجلاء معالم مشروعه الفكري وتحديد تموقعه بين المدرستين الرشدية والغزالية، ولا يقل أهمية عن موقفه من مؤلفات المناطقة السابقين عليه ودرجة إتقانها للصنعة المنطقية.

وفي هذا الإطار، يمكن أن نصوغ السؤال على الشكل التالي: هل اقتصار ابن طُملوس في تآليفه على المنطق والطب هو فعلا انخراط منه في توجّه فكري جديد يحصر التأليف في الفلسفة في الجزء المنطقي منها، ويترك القول في المسائل الميتافيزيقية لعلم الكلام والتصوف، ويستغني عن الطبيعيات والرياضيات الفلسفية، مع وَصْلِ المنطق، بالموازاة مع ذلك، بالعلوم الشرعية؟ أم أنه مجرد أمر اضطراري أملَته ظروف العصر التي منعته من أن يكتب في باقي العلوم الفلسفية، فاقتصر على المنطق وفاءً منه لنهج أستاذه ابن رشد؟ بمعنى آخر، كيف كان ينظر إلى وظيفة المنطق وصلته بالعلوم الأخرى؟ هل كان يريد من تأليفه المنطقي أن يكون آلة خادمة للعلوم العقلية فقط، كما حرص على ذلك الفارابي وابن سينا وابن رشد؟ أم أيضا آلة للعلوم الشرعية مثل أصول الفقه وأصول الدين، كما أكد على ذلك أبو حامد؟

صحيح أن ابن طُملوس يُبرّر اقتصاره على التأليف في المنطق دون غيره من العلوم ”القديمة“ بكون هذا العلم هو وحده الذي لم يكثُر التأليف والمناظرة فيه بين الأندلسيين نتيجة رفضهم وازدرائهم له، الأمر الذي منعه من أن يصل إلى الكمال؛ لكن هذا التبرير لا يصمد أمام معطيات الواقع التاريخي التي تشهد أن العلوم العقلية في عصره، وإن وصلت درجة عالية من الكمال، إلا أنها لم تستغن عن التأليف والمناظرة وعن مزيد كمال، كما أن وضعية المنطق لم تكن بتلك الحالة المزرية التي وصفها بها ابن طُملوس، ما يعني أن هذا التشخيص هو مجرد وسيلة لتبرير الكتابة في المنطق.[43]

وإذا سلّمنا بوجود رغبة شديدة ومبرّرة لدى ابن طُملوس بضرورة التأليف في المنطق، وأن رَقَابَةَ زمانه منعته من الـتأليف في العلوم العقلية الأخرى التي لا تكاد تنفصل في التقليد المشائي، فإن هذا لا يمنع مع ذلك من التساؤل عن الدواعي التي تدفع رشديا إلى التأليف في المنطق وحده دون غيره من علوم الحكمة الفلسفية، وسط بيئة يعلم مسبقا أن أهلها يتحفّظون على استخدامه آلة للعلوم العقلية الفلسفية الأخرى، وخصوصا الميتافيزيقا؛ فإن من شأن عزل المنطق عن الفلسفة أن لا ينسجم والتوجُّه الذي قامت عليه المدرسة الرشدية التي تركز على وَصْلِ المنطق بالعلوم العقلية، وترفض، في المقابل، وصلَه بالعلوم الشرعية، وترى فيه آلة للعلوم العقلية أكثر من كونه علما مستقلا.

فمع التسليم مع بن أحمد برشدية ابن طُملوس، يظل السؤال مُنتصبا ويحتاج إلى تفسير: ما جدوى التأليف في المنطق وحده دون العلوم الفلسفية الأخرى في بيئة ثقافية تُعادي هذه العلوم؟ فإن لم يكن هذا العلم عند هؤلاء سيتخذ آلة للعلوم الشرعية، فلمن سيتخذ آلة إذن؟ ألا يصبُّ صنيعه هذا في صميم المشروع الغزالي؟ أم أن قراءته لظروف عصره أفضت به إلى الاقتناع بأن الوفاء للرشدية يقتضي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التَّرِكَة الرشدية ولو بالتأليف في المنطق وحده، عملاً بقاعدة أن ما لا يُدرك كله لا يُترك جله، أو بتوفير الآلة المنهجية التي لا بُدّ منها لمن أراد أن يقرأ علوم الفلسفة الأخرى ولو في بيته؟

وإذا تركنا جانبا موقف ابن طُملوس من صلة المنطق بالعلوم الفلسفية، فإن ما أورده أبو الحجاج من إشارات بخصوص صلة المنطق بعلوم الشريعة يُرجّح ميله نحو نهج الغزالي في هذا الشأن، فهو يؤكد دعوى الغزالي بضرورة إتقان علماء الشريعة للصَّنعة المنطقية قائلا: و”علمتُ في أثناء مطالعتي أن غناها عظيم ومنفعتها، بحيث لا يمكن أن يُكتب كتاب في علم من العلوم على الوجه الصواب إن لم يكن لها فيه مدخل. وأن كل من كتب كتاباً مهذبا محكما ذا قانون جيد إنما كتبه بما عنده من هذه الصناعة، إما بأنه تعلّمها وإما بما في قوته منها.“[44]

كما أن إشادته بما في كتب الغزالي من تفنُّن في الترتيب والنِّظام يعزز ما ذهبنا إليه أعلاه، لأن هذه الكتب في تقدير ابن طُملوس ما امتازت بجودة النِّظام إلا بفضل مراعاة أبي حامد للصَّنعة المنطقية في تأليفها، كما يذهب إلى ذلك بن أحمد نفسه، الذي يعترف أيضا أن الكتب المعنية بهذه الإشادة هي كتب الأصول والتصوف.[45]

وإذا لم يوجد لدى ابن طُملوس، بحسب بن أحمد، قولٌ صريحٌ لا في الفصل بين المنطق وعلوم الحكمة ولا في الوصل بين المنطق وعلوم الشريعة، فإن ما ضمَّنه الصدر من إشارات ينتهي به إلى التقاطع مع أحد أبرز معالم الفكر الغزالي، والمتعلقة بضرورة وصل المنطق بالعلوم الشرعية. فحتى لو وقف تأثر ابن طُملوس بمنطق الغزالي عند حدود الأسلوب والمعجم دون المضمون المنطقي، وأن أبا الحجاج وصف كتابات أبي حامد المنطقية أنها غير كاملة في هذه الصناعة، فإن هذا لا يمنع تأثره به في دعواه المتعلقة بحدود استعمال المنطق، بالشكل الذي يجعله أقرب إلى دعوى الغزالي منه إلى دعوى ابن رشد المضادة.

فابن طُملوس، وإن كان يعتبر كتب الغزالي في الصَّنعة المنطقية تمهيدية، فإنه يعتبر دعواه بنقل منطق الفلاسفة إلى علوم الشريعة سديدة؛ وإذا كانت هذه الدعوى تدخل في صميم فكر الغزالي، فإن هذا قد يشهد لتأثر ابن طُملوس المذهبي بأبي حامد، وبأن حضور الغزالي عنده يتجاوز البعد الأسلوبي والمنهجي، لأن قوة الغزالي لا تكمن فقط في العلوم التي ألَّف فيها، بل وفي الهيكلة التي اقترحها للعلوم. بل إن الغزالي لم يُنصِّب نفسه أصلا سلطة علمية عليا في الصَّنعة المنطقية، وهو معترف للفلاسفة بفضل السبق في هذا الميدان، وعندما دعا الأصوليين إلى اعتماد المنطق لم يقصد كتبه المنطقية دون غيرها، لأنه كان يؤمن أصلا بوحدة قوانين المنطق؛ غير أن بن أحمد راح يبحث في منطق ابن طُملوس عن تأثير للغزالي فيما لم ينفرد فيه الغزالي أصلا، وبالمقابل قلل من أهمية الأثر الغزالي الذي يُحسب حقا من صميم الغزالية، كل ذلك ليَخرج بخلاصة مفادها أن أكبر غائب في فكر ابن طُملوس هو الغزالي وأن أكبر حاضر هو ابن رشد.

أما السؤال الثالث، والذي ينبغي مراعاته قبل الحسم في تموقع ابن طُملوس بين المدرستين الرشدية والغزالية، فيتعلق بموقفه من العلم الموكول له مهمة النظر في المسائل الاعتقادية لأهل السنة، احتجاجا وتدليلا، وما إذا كان هذا العلم هو الكلام أم الميتافيزيقا؛ فهل كان ابن طُملوس يؤمن حقا بالتداخل والتقاطع بين علم الكلام والعلم الإلهي، وبإمكانية أن يقوم الأول، ولو جزئيا، مقام الثاني في الإجابة على جزء مهم من الأسئلة التي كان يطرحها الفلاسفة، وفي صياغة المذهب الاعتقادي للأمة؟ أم أنه كان يُساير أستاذه ابن رشد في اعتبار الكلام مجرد مُشاغبات أفسدت على العامة عقائدهم بتأويلاتها البعيدة، التي مزقت الشرع وفرقت الناس فرقا متناحرة؟[46]

إن مقارنة بسيطة بين موقف ابن رشد من الكلام، وبين الإشارات التي أوردها ابن طُملوس في كتابه المنطقي، تكشف عن وجود تباين عميق بينهما في الموقف من علم الكلام.

فبعد أن نبَّه ابن طُملوس إلى اتحاد الكلام والإلهيات في المسائل التي يدرسانها، وبالخصوص النظر في وجوده تعالى وصفاته، وأشار إلى أن اختلافهما جزئي، يتعلق ببعض المسائل التي يستغني المتكلم عن النظر فيها وبأخرى يدرجها الفلاسفة ضمن الطبيعيات ويلحقها المتكلمون بالكلام، خلص إلى القول: إن العلمين اثنان بالاسم لكنهما علم واحد بالحقيقة؛ على اعتبار أن التعديلات التي أدخلها المتكلمون على مسائل علمهم لا تجعله مخالفا في الحقيقة للعلم الإلهي، ما دام يُشاركه جوهر مسائله.[47]

كما أن الاشتراك بين العلمين لا يقف عند حدود الموضوع والمسائل، بل يتعداه إلى إصابة الحق، بل إن ظاهر كلامه يُفيد أن نصيب الكلام من إصابة الحق أوفى.[48]

كما أن حديث ابن طُملوس عن علم الكلام إنما أدرجه في سياق عرض مبررات اقتصاره في التأليف على المنطق دون غيره من العلوم العقلية الأخرى، كالحساب والطبيعيات والإلهيات؛ وإذا كان مبرّر التأليف في المنطق هو كون هذا العلم، من بين باقي العلوم الفلسفية الأخرى، هو وحده الذي ظل مهجورا في الغرب الإسلامي ولم يبلغ بعد الكمال في الصَّنعة، فإن عدم التأليف في الإلهيات الفلسفية، في نظره، مردُّه إلى أن هذا العلم قد كمل وبلغ الغاية في التهذيب؛ ولكنه كمل، بحسب ما يفهم من كلامه،[49] بالصيغة التي تركه عليها علماء الكلام، أو أن الكلام بلغ على الأقل نفس درجة الكمال التي للإلهيات.

بل إن إشادة ابن طُملوس بعلم الكلام، واعتقاده برجاحته في إصابة الصواب مقارنة بإلهيات الفلاسفة، وتوحيده بين العلمين، من شأنه أن يعد مراجعة من ابن طُملوس لموقف أستاذه المتصلِّب من علم الكلام والمبجِّل لأرسطو أيما تبجيل.[50] كما يمكن أن يعتبر دعوة مبكرة في الغرب الإسلامي إلى السير على النهج الذي دشنه الغزالي بخلطه الكلام بالفلسفة، وتبعه في ذلك في المغرب أبو الحجاج المكلاتي (ت. 626هـ/1237م)، وفي المشرق أغلب المتكلمين اللاحقين، كفخر الدين الرازي وسيف الدين الآمدي وسعد الدين التفتازاني والشريف الجرجاني وناصر الدين البيضاوي، الذين نصَّبوا الكلام بديلا لميتافيزيقا الفلاسفة وأدمجوا مسائل العلمين بطريقة انتقائية تجعل البحث فيها على شرط الإسلام، وليس بحثا حُرًّا مطلقا، كما كان عليه الحال عند الفلاسفة.[51] فلو كان الكلام مجرد مُشاغبات لما أَوْكَلَ إليه ابن طُملوس مهمة إصابة الحق في أشرف موضوع نَظَرَ فيه الفلاسفة، ولما سَوَّاهُ بالعلم الذي يدعي الفلاسفة المسلمون احتكاره القول البرهاني اليقيني في المسائل الإلهية.[52]

 

 

خاتمة

مع دراسات فؤاد بن أحمد، وآخرين غيره ممن حاورهم، صار من الصعب اليوم التعامل مع مرحلة ما بعد ابن رشد كما لو أنها صحراء قاحلة خالية من العلوم العقلية ومن الأثر الرشدي؛ فابن طُملوس مع الصورة التي بدأت تتشكل تدريجيا حول فكره، يعد حلقة مهمة في سبيل حل لغز التحول الذي طرأ على التقليد الفلسفي الإسلامي الذي بلغ ذروته في الغرب الإسلامي، مع فيلسوف ملأ الدنيا سجالا حول فكره في حياته وبعد موته (في التقليد اللاتيني). فهذه الصورة تؤكد ربما أن ذلك التحول لم يكن بتلك المأساوية والفُجائيّة؛ وأنه لم يعد من اللائق، بعد اليوم، استعمال مفردات من قبيل ”نهاية“ العلوم العقلية، و”الغياب التام“ للأثر الرشدي بعد موته.

لكن بقدر ما يشهد ابن طُملوس على استمرارِ العلوم العقلية بعد موت ابن رشد، ولو في حدها الأدنى أي: المنطق والطب، واستمرارِ أعمال أبي الوليد مُلهِمة لمن جاؤوا بعده، يشهد في الآن نفسه على حدوث تحول كبير في مسار التأليف في العلوم العقلية؛ بحيث يُعد متن ابن طُملوس نفسه نموذجا على هذا المنعطف، بل ولربما مؤسسا لتقليد جديد في الكتابة الفلسفية، قد يكون من آثار النقد الذي وجّهه الغزالي للفلاسفة.

غير أن مقاربة فكره، على ضوء نفوذ المدرستين الغزالية والرشدية، لا ينبغي أن يصرف جهدنا عن البحث في معالم الشخصية العلمية المستقلة لابن طُملوس؛ فنحن أمام فيلسوف كان يمتلك، على الأرجح، كل الإمكانات التي تُؤهله ليكتب في سائر علوم المنظومة الفلسفية الأرسطية كما تداولها الفلاسفة المسلمون، غير أنه اختار طواعيّةً أو اضطرارًا أن يتفاعل مع عصره بطريقته الخاصة؛ تلك الطريقة التي تشكل ربما سرَّ تميز وأصالة فكره، وتجعله يقف على مسافة مُقدّرة من كلتا المدرستين.

—————————————–

بيبليوگرافيا

ابن رشد، أبو الوليد. جوامع الشعر. تحقيق وترجمة تشارلز بتروت. ضمن:Averroes’ three short commentaries on Aristotle’s “Topics,” “Rhetorics,” and “poetics”. Albany-New York: State University of New York press, 1977.

______. فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال. دراسة وتحقيق محمد عمارة، ط 2. القاهرة: دار المعارف، 1969.

ابن طُملوس، أبو الحجاج. صدر كتاب ابن طُملوس في المنطق. تحقيق فؤاد بن أحمد. ضمن ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب: سيرة بيبلوغرافية. الرباط-الجزائر-تونس-بيروت: دار الأمان-منشورات الاختلاف-كلمة للنشر والتوزيع-منشورات ضفاف، 2017.

______. كتاب المدخل لصناعة المنطق. الجزء الأول (النص العربي، 1–109). ضمن: Introducción al Arte de la Lógica por Abentomlús de Alcira, texto árabe y trad. española por Miguel Asín Palacios. Madrid: Centro de Estudios Históricos, 1916.

______. كتاب في المنطق: كتاب الأمكنة المغلطة وكتاب الجدل. تحقيق وتقديم وتعليق فؤاد بن أحمد. ط 1. الرباط-الجزائر-تونس-بيروت: دار الأمان-منشورات الاختلاف-كلمة للنشر والتوزيع-منشورات ضفاف، 2016.

آيت حمو، محمد. العقل الحجاجي بين الغزالي وابن رشد: دراسات ومراجعات نقدية لفلسفتي الغزالي وابن رشد. ط 1. لبنان: جداول، 2012.

بن أحمد، فؤاد. ابن طُملوس الفيلسوف والطبيب، سيرة بيبلوغرافية. ط 1. الرباط-الجزائر-تونس-بيروت: دار الأمان-منشورات الاختلاف-كلمة للنشر والتوزيع-منشورات ضفاف، 2017.

______. ”صناعة المنطق ورهانات السلطة في أندلس العصر الوسيط.“ مؤسسة مؤمنون بلا حدود (أكتوبر 2016): 1–38. الرابط:

http://www.mominoun.com/pdf1/2016-08/rihanat.pdf

______. ”ابن طُملوس والاستعراب الإسباني: في مراجعة أثر الغزالي في الغرب الإسلامي.“ مؤسسة مؤمنون بلا حدود (مارس 2016): 1–21. الرابط:

https://www.mominoun.com/pdf1/2016-02/ibn.pdf

الجابري، محمد عابد. ”مكونات فكر الغزالي.“ ضمن أبو حامد الغزالي: دراسات في فكره وعصره وتأثيره، 55–65. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1988.

رينان، إرنست. ابن رشد والرشدية. نقله إلى العربية عادل زعيتر. القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1957.

الصغيَّر، عبد المجيد. ”المنهج الرشدي وأثره في الحكم على ابن رشد لدى مغاربة القرنين السادس والثالث عشر للهجرة.“ ضمن ابن رشد ومدرسته في الغرب الإسلامي، تقديم محمد المصباحي، ط 2، 314–349. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2013.

الغزالي، أبو حامد. القسطاس المستقيم: الموازين الخمسة للمعرفة في القرآن الكريم. قرأه وعلق عليه محمود بيجو. دمشق: المطبعة العلمية، 1993م.

______. المنقذ من الضلال. حققه وقدم له محمد بيجو. راجعه محمد سعيد رمضان البوطي وعبد القادر الأرناؤوط. دمشق-عمان: دار التقوى-دار الفتح، [د.ت.].

المصباحي، محمد. ”بين نهايتين: نهاية العقل الرشدي ونهاية العقل الحداثي.“ ضمن الأفق الكوني لفكر ابن رشد: أعمال الندوة الدولية بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد، تنسيق جوزيب بويج مونتادا وزينب محمود الخضيري والمنصف شعرانة، 395-410. مراكش: منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، 2001.

المكلاتي، أبو الحجاج. كتاب لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول. تقديم وتحقيق وتعليق فوقية حسين محمود. ط 1. القاهرة: دار الأنصار، 1977.

Aouad, Maroun. Le livre de la rhétorique du philosophe et médecin Ibn Ṭumlūs (Alhagiag bin Thalmus). Introduction générale, édition critique du texte arabe, traduction française et tables par Maroun Aouad. Paris: Vrin, 2006.

Elamrani-Jamal, Abdelali. “Éléments nouveaux pour l’étude de l’Introduction à l’art de la logique d’Ibn Ṭumlūs (m. 620 H. /1223).” In Perspectives arabes et médiévales sur la tradition scientifique et philosophique grecque, edited by Ahmad Hasnawi, Abdelali Elamrani-Jamal and Maroun Aouad, 465–483. Leuven-Paris: Peeters-Institut du Monde Arabe, 1997.

Schoeler, Gregor. “Der poetiche syllogismus: Ein beitrag sum versträndis der Logischen Poetik der Araber.” Zeitschrift der Deutchen Monjen Lämdischen Gelleschaet 133 (1983): 43–92

عن <https://philosmus.org/archives/2425>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى